نسجت الوفرة المائية حكاية مع إقليم التفاح، جعلته محطّ أنظار كل تّواق إلى الماء والثمر. ومنه تتفجّر مياه نبع الطاسة، أشهر الينابيع وأغزرها، من أسفل بلدة جرجوع لتغذّي نطاقاً واسعاً بين مدن صيدا وجزين والنبطية، ومن وديانه تنبع مياه الزهراني التي كانت تتوحّد مع مياه نبع الطاسة لتصبّ بعد رحلة طويلة في البحر قرب الزهراني. وتنتشر بين تلال بلداته وأوديتها مئات الينابيع والعيون االمتدفّقة شتاءً وصيفاً، لتصيّر الإقليم واحة غنّاء وبساطاً دائم الخضرة ومزارع تروي وتشفي.

لا تروق ذكريات أبناء إقليم التفاح، في القرى الواقعة عند ضفّتي نهر الزهراني من دون سوق حكاياتهم مع النهر وحوله، أيام كان النهر يتدفّق صيفاً وشتاءً، قبل حصر مياه نبع الطاسة في مشروعه، ما غيّر مجرى النبع، وقلّص أيام جريان النهر، ليتحوّل مجراه قاحلاً جافاً حزيناً، معظم أيام السنة وفصولها.

لم تقتصر ذكريات أبناء الإقليم على تفاصيل أفارحهم وأعراسهم وتلاقيهم عند النّهر، بل كان واهب خبزهم، من عشرات المطاحن التي كان يدير رحاها، في مختلف الفصول لتبقى الدّرب إليه عامرة بالتآلف والتواصل.

اليوم يتوقّف النّهر، مع الأيام القليلة التي تعقب هدوء المطر، مع إطلالة الربيع، ما جعل الحياة في المطاحن وحولها تتراجع شيئاً فشيئاً، حتى انعدمت تماماً، فتوقفت رحى المطاحن عن دورانها، في الرّبع الأخير من القرن العشرين، لينبت العشب البرّي بين جنباتها، وتتقوّض جدرانها وشقوقها، فتحوّل بعضها أطلالاً، والبعض الآخر ظلّ صامداً يحنّ إلى الأيام الخوالي.