تتوزع صربا على هضبة هادئة، جنوب غرب عين قانا ومن خلفها جباع، في إقليم التفاح. تحتضنها أودية وتلال متواضعة، ينتصب السّنديان من جنباتها ملوّحاً بيارق تحرس البلدة "العريقة" التي تسلّلت حداثة البنيان إلى ربوعها وأحيائها، بيد أنها لم تمح قديمها التراثيّ الموغل في الأعوام والتاريخ، حتّى يخال المتجاوز ساحتها العتيقة شمالاً،أنّه في قلعة من القرون الغابرة.

سكنها المناكرة من حكّام "جبع" في أواسط المئة الثانية عشرة الهجرية، وامتنعت بأربعين رجلاً من حماتها الأشداء على جيش الأمير يوسف الشهابيّ. كان فيها قلعة من أيّامهم، لم يبقَ منها غير أطلال فيها آثار قديمة متنّوعة.

قد يكون إسمها مستمداً من البرج أو من جذر نقيّ أو صهر المعادن، أو لعلاقة بالآلهة الإغريقية- المصرية. ويتردّد بين الأهالي أنّ الإسم يعود إلى "الصّرب"، من مملكة صربيا الأوروبية القديمة، بعدما زارها ملكها متفقّداً جنوده إبّان الحروب الصليبيّة، متوقّفاً في قلعتها التي بناها الصليبيّون وما زالت بقاياها موجودة إلى اليوم.

تبعد 61 كيلومتراً عن بيروت و15 كيلومتراً عن النبطية، وترتفع 550 متراً عن سطح البحر. يبلغ أبناؤها حوالي 3500 نسمة يقطن معظمهم خارجها وفي العاصمة بيروت، بسبب الهجرة التي بدأت فيها أواسط الخمسينيّات بحثاً عن لقمة العيش، وفيها حوالي 300 وحدة سكنية. مساحتها نحو سبعة كليومترات مربعة، وتتبع لها مزرعة " الخريبة" المستقلّة عقارياً عنها ويقطنها آل الحايك في منازل متواضعة بعدما وفدوا إليها من بلدة جرنايا، وتبلغ مساحتها نحو 900 دونم. تشتهر البلدة بزراعة الزيتون والكرمة، وكانت تشرب قديماً من نبع "لولخ" الذي يقع شمالي البلدة وبعدما وصلت إليها مياه نبع الطاسة، أهمله الأهالي.

أحياؤها السّكنية: الأقبية، البيدر، تحت البيدر، خلّة النابلسيّ، خلّة الجّزّينيّ، وفيها "واحة الدقّاق" الصخريّة" التي بدأ ببنائها الفنّان النحّات شربل فارس. الواحة تجمع بين المنتزه والمعرض التشكيلي الدائم، جعله الفنّان فارس من عدّة كهوف وصالات تراثية مركّبة وجدران من صخور وبئر وغيرها، وعرض فيها تكراراً رسماً ونحتاً وأعمالاً مركّبة من خشب وجفصين وشظايا قذائف، فضلاً عن أنصاب وتجسيدات مشهدية مركّبة وغيرها.

فيها إلى الآثار الصليبية، بقايا قصر وأبنية من عهد المناكرة الذين بنوا حولها سوراً قبل أن يعمد جمال باشا الجزّار إلى طردهم منها، وفيها مغارة مدفنيّة يرجح الأهالي بعد إجراء إختبارات إنتسابها إلى العهد البيزنطيّ، إذ إكتشفت فيها نواويس وهياكل عظميّة وفخّاريّات وأوان و "مدامع" من ذاك العهد. وفي واديها الجنوبي الشرقي السحيق الكثيف الشجر والغابات، وفي كعب التلة الملامسة حدود عين قانا يربض كهف قديم رائع التقطيع، يتحول في مواسم الربيع والصيد منتجعاً لرواد الوادي. وفوق تلة عند التخوم الجنوبية للبلدة هوّة طبيعية، عمقها نحو عشرة أمتار وقطرها لا يقلّ عن عشرين متراً دائمة الخضرة، إذ تشكّل تجمّعاً لمياه الأمطار، وتتفرّع منها مسارب وقنوات تزوّدها برطوبة لا تنضب.